إشكال اليسوعية: كرة الثلج المتدحرجة
مع كل انتخابات طالبية تشهدها الجامعات في لبنان، يحصل العديد من الإشكالات بين الطلاب المنتمين للأحزاب السياسية، بسبب المشاحنات التي تحصل عادة، خلال السباق الانتخابي للظفر بأكبر عدد ممكن من المجالس الطالبية أو الحكومات الطالبية.
غياب الطلاب عن مقاعدهم الجامعية لما يقرب العام بسبب جائحة كورونا، واعتماد التعليم عن بعد، أبعد عن أذهاننا مشاهد المشاحنات والمشاكل المعتادة داخل الجامعات، إلّا أنّه ومع أوّل توقيت للعودة التدريجية إلى الجامعات، مترافقًا مع انتخابات طالبية في عدّة جامعات خاصة، انفجر أمام جامعة القديس يوسف عشية الإنتخابات الطالبية فيها، إذ حصل تضارب بين طلّاب القوّات اللّبنانية وطلّاب حزب الله، ما أدّى لوقوع عدد من الجرحى من الطرفين في مشكلين مترابطين خلال يومين.
أما اللّافت في الأمر انتشار صورة عن هوية أحد الموقوفين من حزب الله على مواقع التواصل الاجتماعي ويظهر قيام أحدهم بتشويه هويّته عبر رسم شعار القوّات اللّبنانية عليها، ما أثار موجة من ردود الفعل المندّدة بهذا العمل، خصوصًا أنّ الهويّة في عهدة القوى الأمنية، فكيف تمّت العملية وكيف تم تسريبها ونشرها؟
المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أعلنت أنّ رسم شعار أحد الأحزاب على بطاقة هويّة مواطن قيد التحقيق بإشراف القضاء المختص.
ويؤكد رئيس مصلحة الطلاب في القوّات اللّبنانية طوني بدر في حديث خاص لـ”أحوال” أنّ الذي حصل في الجامعة اليسوعية هو استعراض لفائض القوّة التي يشعر بها حزب الله، فأقدموا على افتعال هذا الإشكال، نافيًا أن يكون هناك أي استفزاز من قبل طلّاب القوّات تجاه باقي الطلاب، وأضاف: هناك مجموعة مسلّحة بالسلاح الأبيض من حزب الله توجّهت باتجاه شارع لبنان شرق الجامعة اليسوعية، وقاموا بالالتفاف على القوى الأمنية وتوجّهوا إلى منطقة تواجد مجموعة من طلاب القوّات وتمّ الاعتداء عليهم .
ويشير بدر إلى أنّ المشكل الذي تمّ أوّل يوم أُوقف على إثره خمسة طلاب من حزب الله وثلاثة طلاب من القوّات اللّبنانية، وأعيد إطلاق سراحهم، لافتًا إلى أنّ أحد الطلّاب من حزب الله توعّد طلّاب القوّات داخل المخفر، وهذا ما حصل في اليوم التالي وأدّى إلى وقوع عدد من الجرحى من طلاب القوّات، علمًا أن القوى الأمنية قد أُبلغت بأنّ الحزب يحضر لمشكل جديد، لكنّها لم تهتم للأمر.
وتعليقًا على صورة الهوية التي انتشرت على مواقع التواصل، فيؤكد بدر أنّ الذي حصل كان خطًا كبيرًا ولا ينبغي أن يحصل، مؤكدًا أنّ القوات تقوم بالتحقيقات في صفوف الحزب للتأكد ما إذا كان الفاعل من عناصرها أم لا، وإذا كان كذلك فسيتم معالجة الأمر بالطرق القانوينة، وستُتخذ بحقّه الإجراءات اللّازمة داخل الحزب.
مصادر في التعبئة التربوية لحزب الله رفضت التعليق على الحادث واكتفت بالبيان الذي أصدرته التعبئة، والذي لفتت فيه إلى أنّ الانتخابات الطلابية التي تجري، عادة ما يشوبها حساسيات وانفعالات بين الطلاب، وتؤدي أحيانًا إلى حصول بعض الإشكالات التي يجري العمل على معالجتها سريعًا؛ إلّا أنّ استغلالها من بعض الجهات عبر إثارتهم النعرات المذهبية وإطلاق الشعارات الاستفزازية والاعتداء على الآخرين قد يؤدي إلى حصول فتنة لا يتمناها إلّا الساعين وراءها ووضعت أمر معالجتها بيد الأجهزة القضائية والأمنية المختصة ودعتها إلى تحمّل المسؤولية الكاملة على هذا الصعيد.
وتشير مصادر خاصة لـ”أحوال” إلى أنّ الإشكال كان متوقعًا، خصوصًا أنّ طلاب القوّات كانوا يطلقون الشتائم والشعارات الاستفزازية ضدّ أيّ شخص من خارج حزبهم، خصوصًا أنّهم يعدّون الجامعة معقلًا لهم ولا يرضون بأن يكون هناك لهم أي منافس داخل الحرم الجامعي، ويتحسّسون من أي نشاط سياسي يعاكس سياستهم وخصوصًا حزب الله، وهذا الذي أدّى إلى تراكم المشكلة لتصبح ككرة ثلج متدحرة ونفجرت بإشكال سقط خلاله الجرحى.
إشكال الجامعة اليسوعية ليس الأوّل وربما لن يكون الأخير، والساعات القادمة ستشهد حلًّا لتداعيات هذا الإشكال، فور الانتهاء من التحقيقات التي تُجرى مع الموقوفين بحسب ما أكد مصدر أمني لـ”أحوال”، وأنّ التحقيقات لا زالت جارية لكشف ملابسات تشويه هويّة أحد الطلاب، وإذا تناسينا الأسباب التي أدّت إلى هذا الإشكال، فهل يعقل في كل عرس ديمقراطي أن يسقط جرحى؟ وأن يكون المعتدي والمعتدى عليه طلابًا جامعيين، تعلّق عليهم الآمال في بناء وطن يقدّس الديمقراطية وثقافة تقبّل الآخر ولو كان من غير حزب أو طائفة أو منطقة؟؟ وهذا يدفعنا للقول إنّ الإشكال ليس بسبب رمّانة، بل قلوب مليانة منذ سنوات، انفجرت على باب الجامعة اليسوعية.
منير قبلان